عسَل النحل جعَله الله تعالى شفاءً للناس مِن كل داء، قال تعالى: ﴿ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾ [النحل: 69].
والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حثَّ أمَّته على التداوي به، وثبَت هذا في الصحيحين مِن حديث أبي سعيد الخدري: "أنَّ رجلاً أتى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: إنَّ أخي يشتكي بطنه: وفي رواية: استطلَق بطنه، فقال: ((اسقه عسلاً))، فذهَب ثم رجَع، فقال: قد سقيتُه، فلم يُغنِ عنه شيئًا، وفي لفظ: فلم يزدْه إلا استطلاقًا مرَّتين أو ثلاثًا، كل ذلك يقول له: ((اسقه عسلاً))، فقال له في الثالثة أو الرابعة: ((صَدَق الله، وكذَب بطنُ أخيك))؛ أخرجه البخاري في الطب (ح: 5716)، ومسلم في السلام (ح: 2217).
وقال ابن القيم في "الزاد" (4/3):
"والعسل فيه منافعُ عظيمة، فإنَّه جلاءٌ للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها، محلِّل للرطوبات أكلاً وطلاءً، نافِع للمشايخ وأصحاب البَلغم، ومن كان مزاجُه باردًا رطبًا، وهو مغذٍّ مليِّن للطبيعة، حافِظ لقُوى المعاجين ولما استودع فيه، مُذهِب لكيفيات الأدوية الكريهة، منقٍّ للكبد والصدر، مدرٍّ للبول، موافق للسعال الكائن عنِ البلغم، وإذا شُرِب حارًّا بدهن الورد، نفَع من نهش الهوام وشرب الأفيون، وإنْ شُرِب وحْده ممزوجًا بماء نفَع مِن عضة الكَلْب الكَلِب... ثم قال:
وهو غذاءٌ مع الأغذية، ودواء مع الأدوية، وشراب مع الأشْرِبة، وحلو مع الحلوى، وطلاء مع الأطلية، ومفْرِح مع المفرحات، فما خلق لنا شيء في معناه أفضل منه، ولا مِثله، ولا قريب منه، ولم يكُن معوَّل القُدماء إلاَّ عليه، وأكثر كتب القُدماء لا ذِكر فيها للسكر البتة، ولا يعرفونه، فإنَّه حديث العهْد حدَث قريبًا، وكان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يشربه بالماء على الرِّيق، وفي ذلك سرٌّ بديع في حِفظ الصحة لا يُدركه إلا الفِطنُ الفاضل.
ثم قال:
وفي قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صَدَق الله وكذَب بطنُ أخيك))، إشارة إلى تحقيقِ نفْع هذا الدواء، وأنَّ بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفْسه، ولكن لكذب البطن، وكثرة المادَّة الفاسدة فيه، فأمره بتَكْرار الدواء لكثرةِ المادة.
وليس طبه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كطبِّ الأطباء، فإن طبَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - متيقّن قطعي إلهي، صادِر عن الوحي، ومشكاة النبوَّة، وكمال العقل، وطب غيره، أكثرُه حدسٌ وظنون، وتجارِب، ولا يُنكر عدم انتفاع كثيرٍ مِن المرضى بطبِّ النبوة، فإنَّه إنما ينتفع به مَن تلقَّاه بالقَبول، واعتقاد الشِّفاء به، وكمال التلقِّي له بالإيمان والإذعان، فهذا القرآن الذي هو شفاءٌ لما في الصُّدور - إنْ لم يتلقَّ هذا التلقِّي - لم يحصلْ به شفاء الصُّدور من أدوائها، بل لا يَزيد المنافقين إلاَّ رجسًا إلى رِجْسِهم، ومرضًا إلى مرَضهم، وأين يقَع طب الأبدان منه؟ فإعراض الناس عن طبِّ النبوَّة كإعراضهم عن طبِّ الاستشفاء بالقرآن الذي هو الشِّفاء النافِع، وليس ذلك لقصورٍ في الدواء، ولكن لخُبث الطبيعة، وفساد المحل، وعدم قَبوله، والله الموفَّق". اهـ.
ولمعلوماتك - أخي القارئ - ففي العسل كلُّ ما يحتاجه جسمُ الإنسان مِن فيتامينات، ففيه فيتامين أ، ب1، ب2، ب3، ب5، ب6، د، ك، و، هـ.
وكذلك يحتوي على معادن وأملاح، كالحديد والكبريت، والكالسيوم والبوتاسيوم، واليود والصوديوم، والقصدير والرصاص والمنجنيز... إلخ.
وفوائده لا تُحْصَى ولا تُعدُّ - ولله الحمد والمِنَّة.
وبعد: فأختُم هذه المقالة بعدَ أن وصلت لنهايتها على الرغم من حاجة الموضوع لمساحةٍ أكبرَ، ولكن فيما ذكرْناه من روائع الطبِّ النبوي الكفاية؛ ليلتمس البعض الشفاءَ فيه بعيدًا عن الآثار السيِّئة والأعراض الجانبيَّة للأدوية الكيماوية، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على الصادِق المعصوم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحْبه أجمعين.