EL HAKEEM
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


(( زاد الميعاد ))
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 (( لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ))

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
العالم الشيخ/ محمد عامر .
Admin
العالم الشيخ/ محمد عامر .


المساهمات : 141
تاريخ التسجيل : 06/11/2011

(( لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) Empty
مُساهمةموضوع: (( لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ))   (( لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) Emptyالأحد نوفمبر 27, 2011 8:06 pm

لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ

قال الله عز وجل :﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا ﴾ (الكهف:48-49) .

أولاً- هاتان الآيتان الكريمتان من سورة الكهف ، ومناسبتهما لما قبلهما أنه تعالى لما ذكر في الآيات التي سبقت ما يؤول إليه أمر الدنيا من النفاد والهلاك ، أعقب سبحانه ذلك بذكر بعض مشاهد يوم القيامة ، فذكر من هذه المشاهد : تسيير الجبال في ذلك اليوم المهول . وبروز الأرض . وحشر الناس للحساب جميعًا بعد خروجهم أحياء من قبورهم الطينية ، كما خرجوا منها أول مرة . وينتقل سبحانه من هذا الحشر الجامع للخلائق إلى الحديث عن عرضهم على الرب جل وعلا . ومن ثَمَّ يتوجَّه سبحانه بالخطاب إلى المكذبين بالبعث والمنكرين له خاصَّة له بقوله سبحانه :﴿ لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا ﴾ ، وفي ضمنه تقريعهم وتوبيخهم .
وقد سبق ذلك قوله سبحانه :﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾(الكهف:45) ، وهو مثل آخر ضربه الله تعالى لعباده ، شبه فيه مثل الحياة الدنيا في نضارتها وبهائها وجمالها وحلاوتها ، بنبات الأرض يكون أخضر وارفًا زاهيًا نضرًا ، ثم بعد ذلك يصبح هشيمًا جافًا تحمله الرياح لخفته ولطافته ، وتفرقه في كل جهة من جهات هبوبها ؛ كذلك مثل الحياة الدنيا كنبات هذه الأرض .. وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن !

قال أبو حيان :« ولما ذكر تعالى ما يؤول إليه حال الدنيا من النفاد ، أعقب ذلك بأوائل أحوال يوم القيامة ، فقال :﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ ﴾ ؛ كقوله :﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴾(الطور:9-10) ، وقال :﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾(النمل:88) .. وقال :﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴾(التكوير:3) ، والمعنى : أنه ينفك نظام هذا العالم الدنيوي ويؤتى بالعالم الأخروي » .

وقوله تعالى :﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً ﴾ . أي : منكشفة ظاهرة لذهاب ما عليها من الجبال بعد تسييرها . وقيل : أبرزت ما في بطنها من الأموات بعد إحيائهم وقذفت بهم ، ودليله قوله تعالى :﴿ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ ﴾(الانشقاق:4) ، وقوله :﴿ وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا ﴾(الزلزلة: ) ، وقوله :﴿ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾(إبراهيم:21) .

وقوله تعالى :﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾ . أي : أقمناهم من قبورهم وجمعناهم لعرصة القيامة ، الأولين منهم والآخرين ، فلم نترك منهم أحدًا ، ونظيره قوله تعالى :﴿ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾(الواقعة:49-50) .

قال الألوسي :« وإيثار الماضي :﴿ حَشَرْنَاهُمْ ﴾ بعد ﴿ نُسَيِّرُ ﴾ ، و﴿ تَرَى ﴾ ، للدلالة على تحقق الحشر المتفرع على البعث الذي ينكره المنكرون ، وعليه يدور أمر الجزاء » . وقال الزمخشري :« هو للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير والبروز ؛ ليعاينوا تلك الأهوال والعظائم ؛ كأنه قيل : وحشرناهم قبل ذلك . واعترض بأن في بعض الآيات مع الأخبار ما يدل على أن التسيير والبروز عند النفخة الأولى وفساد نظام العالم ، والحشر وما عطف عليه عند النفخة الثانية ، فلا ينبغي حمل الآية على معنى : وحشرناهم قبل ذلك ؛ لئلا تخالف غيرها ، فليتأمل » .

ولما ذكر الله تعالى حشر الخلق على الوجه المذكور ، ذكر كيفية عرضهم للحساب في ذلك اليوم ، فقال سبحانه :﴿ وَعُرِضُواْ على رَبّكَ صَفَّا ﴾ . أي : مصفوفين ، أو مصطفِّين . قال أبو حيان :« وانتصب ( صفًا ) على الحال ، وهو مفرد تنزَّل منزلة الجمع . أي : صفوفًا . وفي الحديث الصحيح : " يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفًا يسمعهم الداعي وينفذهم البصر " الحديث بطوله ، وفي حديث آخر :" أهل الجنة يوم القيامة مائة وعشرون صفًّا أنتم منها ثمانون صفًّا " . أو انتصب على المصدر الموضوع موضع الحال . أي : مصطفين . وقيل : المعنى : صفًّا ، صفًا ، فحذف ( صفًّا ) وهو مراد ، وهذا التكرار مُنْبِيءٌ عن استيفاء الصفوف إلى آخرها ، شبه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان مصطفين ظاهرين ، يرى جماعتهم ، كما يرى كل واحد ، لا يحجب أحد أحدًا » .

أما قوله تعالى :﴿ لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ فهو خطاب لكل مشرك منكر للبعث على سبيل التقريع والتوبيخ ، وفيه يؤكد سبحانه أن الإعادة يوم البعث كما البداية ، ومحاكية لها ؛ ونظيره قوله سبحانه :﴿ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾(الأعراف:29) . أي : يعودون كما بدأهم بالكيفية نفسها : كما قال تعالى :﴿ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾(القمر:7) ، وكما جاء في الحديث الصحيح :« حفاة عراة غرلاً بُهمًا » .

ثانيًا- وأول ما ينبغي التنبيه إليه هنا : أنه لا يقال : المخلوقات خلقت من عدم ؛ بل يقال : مسبوقة بعدم ، وفرق كبير بين القولين ، ويبيِّن هذا الفرق أن الخلق في اللغة هو عبارة عن الإيجاد الفعلي للشيء وإبرازه للوجود ، على تقدير ورفق ، وترتيب وإحكام ، وأصله : التقدير المستقيم ؛ ولذلك ويقتضي الخلق شيئًا موجودًا يقع فيه التقدير . والتقدير هو عبارة عن تحديد كل مخلوق بحدِّه الذي يوجد به ، ولا يسمَّى خلقًا إلا بعد التنفيذ .. هذا أولاً .

وأما ثانيًا فإنه تعالى لما قال :﴿ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾(الأعراف:29) ، و ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾(الأنبياء:104) ، و ﴿ لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾(الكهف:48) ، حكم سبحانه بأن الإعادة كما البداية ومحاكية لها بالكيفية نفسها ، وهذا ما دلت عليه صراحة كاف التشبيه الموصولة بـ( ما ) هكذا :﴿ كَمَا ﴾ ، والمحاكاة لا تعطي إلا الكيفية نفسها ، الكيفيَّة البدئيَّة ؛ ولهذا قال تعالى :﴿ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾(الإسراء:51) ، والفطْر أول مرة هو كالفطر ثاني مرة ، كلاهما من قبور طينية . وهذا ما أفادته أيضًا لفظة ( مَرَّةٍ ) التي تدل على حدوث الفعل مرتين بكيفية واحدة ، مرة في ابتداء الخلق الأول ، ومرة في إعادته يوم البعث .

وإذ ثبت أن الإعادة كما البداية ومحاكية لها ، فكيف كانت البداية ؟ وكيف ستكون الإعادة ؟ ويجيب سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله :﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴾(السجدة:7) ، وهذا ما قاله سيدنا صالح - عليه السلام - لقومه :﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾(هود:61) ، فابتداء الخلق كان من طين الأرض ، ومنها أنشئوا .

ويفصل سبحانه كيفيَّة هذا الخلق والإنشاء في آية أخرى ، فيقول :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾(النساء:1) . والنفس الواحدة هي النفس البشرية ، وهي ( الخلية الحيَّة الأولى ) التي تحمل الصبغتين : الذكرية والأنثوية ، فهي عديمة الجنس . أي :( خنثى ) ، ثم خلق منها زوجها ؛ وذلك بانقسامها إلى خلايا ذكرية مخصَّبة ، وأنثوية مخصَّبة ، ثم نمت هذه الخلايا في رحم الأرض الطينية وفي المستنقعات ؛ كما تنمو الخلية الملقحة تمامًا في الرحم ، وانبثقت عن رجال ونساء بالغين ، نبتوا من الأرض كالنبات ، وهذا ما قاله سيدنا نوح – عليه السلام - لقومه :﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ﴾(نوح:17-18) ؛ فكما نبتوا من الأرض أول مرة رجالاً ونساء بالغين ؛ كذلك ينبتون منها حين الإعادة .

وهذه هي الصورة نفسها التي أخبر الله تعالى عنها بقوله :﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ﴾(الروم:19-20) ، وهذه الآية صريحة بأن البشر في الحقبة الأولى أخرجوا من الأرض الميتة ؛ كما يخرج النبات منها تمامًا ، ثم فجأة هم بشر ينتشرون في الأرض . وهذه آية ربَّانبَّة من آيات الباري جل وعلا حدثت مرة واحدة ، حيث جاء الخروج والانتشار مباشرة لكائنات بشرية بالغة ، خرجت مخلوقة للتوِّ من التراب ، ولن تتكرَّر إلا يوم البعث ، حيث يخرج الأموات من قبورهم الطينية كالنبات بعد إحيائهم ، وينتشرون في الأرض انتشار الجراد ؛ كما قال سبحانه :﴿ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾(القمر:7) ؛ ففي البداية خروج من الأرض ثم انتشار ، وفي الإعادة خروج منها وانتشار بالكيفية نفسها .

هكذا كانت البداية ، وهكذا ستكون النهاية ؛ ولأن البداية هي نفسها النهاية قدَّم سبحانه وتعالى قوله :﴿ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾(الروم:11) ، ثم عقَّب عليه بقوله :﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾(الروم:27) ، ووسَّط بينهما قوله :﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ﴾(الروم:19-20) ؛ وذلك بدقة حسابية منقطعة النظير .

ثالثًا- وقد أكَّد الله سبحانه في كثير من الآيات أن الخلْق يوم البعث محاك للخلقِ أول مرة ، كلاهما من قبور طينية ، وكلاهما إنبات من الأرض ؛ ومن هذه الآيات قوله سبحانه :﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾(الأعراف: 57) .

فكما يخرج النبات والشجر والثمر من الأرض الميتة ، كذلك يخرج الأموات أحياء من القبور الطينية يوم البعث ، ويخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية هذا الخروج ، فيقول في الحديث الذي أخرجه مسلم ومالك وأحمد ، عن ‏أبي هريرة ‏‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم قال :‏« كُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ ، مِنْهُ خُلِقَ ، وَفِيهِ يُرَكَّبُ » .

وأخرج البخاري ومسلم ، عن ‏أبي هريرة ، ‏‏قال : قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم :‏« مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ » . قَالَ : أَرْبَعُونَ يَوْمًا ؟ قَالَ : أَبَيْتُ . قَالَ أَرْبَعُونَ شَهْرًا ؟ قَالَ : أَبَيْتُ . قَالَ : أَرْبَعُونَ سَنَةً ؟ قَالَ : أَبَيْتُ . قَالَ :« ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ ؛ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ ، لَيْسَ مِنْ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى ؛ إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » .

وفي حديث أبي سعيد عند الحاكم ، وأبي يَعْلَى– كما في فتح الباري لابن حجر- قيل :« يا رسول الله ! ما عَجْب الذَّنَب ؟ » قال :« مِثْلُ حَبَّة خَرْدَل » . فعندما يموت الإنسان ويوارى جسده الثرى ، يتحلل كله ، ما عدا عظيمة واحدة لها شكل مطابق لبذرة النبات ، « مِثْلُ حَبَّة خَرْدَل » تسمَّى ( عَجْبَ الذَّنَب ) . وعَجْبُ الذَّنب هو الذي يحتوي على ( الخليَّة الجذعيَّة ) التي تبقي من الإنسان بعد فنائه ، هذه الخليَّة تستطيع عند نموها وإنباتها أن تتمايز ؛ لتعطي كائنًا حيًّا كاملًا ، وتوجد هذه الخليَّة في إحدى العظام شديدة الصلابة والمرونة ، وفي غلافها الخلوي من المواصفات والخصائص ما قد يحولها عند انقطاع المدد الغذائي بموت الإنسان إلى كبسولة من نوع فريد ، لا تهلكها أقسى الظروف والنوائب والأعراض والحوادث ، ولو كانت في بطن حوت أو فوهة بركان .

والمشهور من أقوال العلماء أن ( عَجْبَ الذَّنَب ) هو عظمة العصعص . وتعقيبًا على ذلك قال الدكتور دسوقي عبد الحليم أستاذ التكنولوجيا الحيوية المشارك بجامعة قطر :« الحقيقة ، ومن الدراسات العلمية الحديثة- كما أسلفنا- نجد أنه من المنطقي أن بذرة الإنسان ، وهي عجب الذنب ، يجب أن تكون جزءًا حيًّا محميًّا بحماية شديدة ، لا تؤثر فيه النار أو الضغط أو تغير الظروف المناخية المختلفة من برد قارص إلي حرارة عالية ، وغير ذلك ، كما أنه من المنطقي أيضًا ، في ظل ما هو متوافر لدينا من معلومات عن كيفية نشوء الحياة في كل الأجناس والكائنات الحية ، أنه يجب أن يحتوي هذا الجزء المتبقي علي كتاب الحياة ، أو المادة الوراثية المُخَزَّن عليها كل المعلومات الخاصَّة بالكائن الحي : مثل لون العينين ، ولون البشرة ، ونوع ولون الشعر ، والقلب والأقدام ، والدم واللسان ، وكل ما يتعلق بالكائن الحي يجب ؛ بل يلزم أن نجد له معلومة مخزنة في هذا الكتاب ، والذي يعرف بالدنا " DNA " » . والـ( دي ، إن ، إي ) هذا يحتوي على كروموسومات الكائن الوراثية حية وسليمة ، هذه الكروموسومات هي التي تمثل كتاب الحياة ، والمكتبة الرقمية التي تحتوي على كل أسرار وخصائص هذا الكائن .

ويوم القيامة ينزل الله تعالى من السماء ماء ، له من الخصائص والصفات ما ليس لماء الدنيا يشبه في تركيبه ومكوناته وخواصِّه الماء المنوي ، ويحتوي على مواد وعناصر غذائية ، تسهل له عمليةَ اختراقه لخلايا عَجْبِ الذَّنَب ، وعمليةَ الإنبات . هذا الماء قد وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في حديث مطول عن يوم البعث ، أخرجه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده :« ‏ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ- أَوْ يُنْزِلُ اللَّهُ- قَطْرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ ، أَوْ الظِّلُّ ، نُعْمَانُ الشَّاكُّ ، فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى ، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ » . وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة :﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾(الزمر:68) .

هكذا تنبت الأجساد من الأرض يوم البعث ، ﴿ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ﴾(ق:44) ، فـ﴿ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾(القمر: 7) ، في كثرتهم وتتابعهم وانتشارهم على غير نظام ، يسرعون إلى الداعي من كل جهة ، حين يدعوهم إلى المحشر ، ﴿ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾(المعارج:44) .

ولكن كيف يحشرون ؟ هذا ما أخبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر الذي روي عن ابن عباس ، قال :« إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا » ، ثم قرأ :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ .. ﴾(الأنبياء:104) . وروي أن عائشة - رضي الله عنها - قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ فقال :« الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ » . وفي رواية أخرى عن ابن عباس : فقالت امرأة : أيُبصِر ، أو يَرَى بعضُنا عَوْرَةَ بعض ؟ قال :« يَا فُلَانَةُ ! لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ » .

وفي المستدرك على الصحيحين ، عن عبد الله بن أنيس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : « يَوْمَ يُحْشَرُ العِبَادُ- أَوْ قَالَ : النَّاسُ- حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ، لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ .. » الحديث .. و( غُرْلًا ) جمع : أَغْرَل ، وهو من بقيت غُرْلَتُه ، وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر . و( بُهْمًا ) جمع : أَبْهَم ، وهو الذي لا ينطق ، فهو كالبهيمة .

هكذا يحشر الناس يوم البعث « حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ، ليس معهم شيء » بعد خروجهم من القبور الطينية ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾(يس:51) ، ﴿ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾(القمر:7) ؛ كما خلقوا أول مرة من رحم الأرض الطينية رجالاً ونساء بالغين ، وانتشروا في الأرض حفاة عراة غرلاً بهمًا ؛ كما قال سبحانه في الآية الأخرى :﴿ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ﴾(الروم:19-20) . هذه البداية ، وتلك الإعادة أكدَّهما سبحانه وتعالى بقوله :﴿ لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾(الكهف48) .

رابعًا- ومع أن الله سبحانه قد كرر أن النشأة الآخرة مماثلة للنشأة الأولى ومحاكية لها ، فإننا نجد المفسرين كلهم يحملون خروج الأموات من قبورهم يوم البعث بخروج الإنسان من بطون الأرحام ، فيفسرون الآية السابقة بقولهم : كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلاً ، كذا نعيدهم يوم القيامة .. وهذا التفسير خلاف ما نصَّت عليه الآيات القرآنية السابقة ؛ ولهذا نجد الرازي يبرر هذا الخلاف فيقول :« وليس المراد : حصول المساواة من كل الوجوه ؛ لأنهم خلقوا صغارًا ، ولا عقل لهم ولا تكليف عليهم ؛ بل المراد : أنه قال للمشركين المنكرين للبعث المفتخرين في الدنيا على فقراء المؤمنين بالأموال والأنصار :﴿ لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ عراة حفاة بغير أموال ولا أعوان » .

ويستشهد المفسرون على أن المراد بقوله تعالى:﴿ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ : الخلق من بطون الأرحام بقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾(المؤمنون:12-14) .. وهذه المراحل قبل أن تكون وصفًا لما في الرحم الذي سيتمخض طفلاً ، هي نفسها مراحل تكوينه الأولى ما قبل التاريخ ؛ إلا أن بينهما فرقًا لم يلحظه المفسرون ، وهو أن البشر الأول - كما ذكرت - قد خرجوا إلى الدنيا من بذورهم في رحم الأرض الطينية كبارًا بالغين ، كما يخرج الناس بعد فنائهم من القبور الطينية كبارًا بالغين ، بخلاف الإنسان الذي يخرج طفلاً من رحم أمه .. والله تعالى أعلم !
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://MOHAED.AMER.forumegypt.net
 
(( لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ))
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
EL HAKEEM :: الشريعة الإسلامية :: الدين الإسلامى الحنيف .-
انتقل الى: